فصل: انتقاض مازيار وقتله.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.حبس العباس بن المأمون ومهلكه.

كان المعتصم يقدم الأفشين على عجيف بن عنبسة ولما بعثه إلى زبطرةلم يطلق يده في النفقات كما أطلق للأفشين وكان بستقصر شأن عجيف وأفعاله فطوى عجيف على النكث ولقي العباس بن المأمون فعذله على قعوده عند وفاة المأمون عن الأمر حتى بويع المعتصم وأغراه قبلا في ذلك فقبل العباس منه ودس رجلا من بطانته يقال له السمرقندي قرابة عبد الله بن الوضاح وكان له أدب ومداراة فاستأمن له جماعة من القواد ومن خواص المعتصم فبايعوه وواعد كل واحد منهم أن يثب بالقائد الذي معه فيقتله من أصحاب المعتصم والأفشين وأشناس بالرجوع إلى بغداد فأبى من ذلك وقال: لا أفسد العراق فلما فتحت عمورية وصعب التدبير بعض الشيء أشار عجيف بأن يضع من ينهب الغنائم فإذا ركب المعتصم وثبوا به ففعلوا مثل ما ذكرنا وركب فلم يتجاسروا عليه وكان للفرغاني قرابة غلام أمرد في جملة المعتصم فجلس مع ندمان الفرغاني تلك الليلة وقص عليهم ركوب المعتصم فأشفق الفرغاني وقال يابني أقلل من المقام عند أمير المؤمنين والزم خيمتك وإن سمعت هيعة فلا تخرج فأنت غلام غر ثم ارتحل المعتصم إلى الثغور وتغير أشناس على عمر الفرغاني وأحمد بن الخليل وأساء عليهما فطلبا من المعتصم أن يضمهما إلى من شاء وشكيا من أشناس فقال له المعتصم أحسن أدبهما فحبسهما وحملهما على بغل فلما صار بالصفصاف حدث الغلام ما سمع من قريبة عمر الفرغاني فأمر بغا أن يأخذه من عند أشناس ويسأله عن تأويل مقالته فأنكر وقال إنه كان سكران فدفعه إلى إتياخ ثم دفع أحمد بن الخليل إلى أشناس عنده نصيحة للمعتصم وأخبره العباس بن المأمون والقواد والحرث السمرقندي فأنفذ أشناس إلى الحرث وقيده وبعث به إلى المعتصم وكان في المقدمة فأخبر الحرث المعتصم بجلية الأثر فأطلقه وخلع عليه ولم يصدقه على القواد لكثرتهم ثم حضر العباس بن المأمون واستحلفه أن لا يكتم عنه شيئا فشرح له القصة فحبسه عند الأفشين وتتبع القواد بالحبس والتنكيل وقتل منهم المشاء بن سهيل ثم دفع العباس للأفشين فلما نزل منبج طلب الطعام فأطعم ومنع الماء ثم أدرج في نبج فمات ولما وصل المعتصم إلى نصيبين احتفر لعمر الفرغاني بئرا وطمت عليه ولما دخلوا بلاد الموصل قتل عجيف بمثل ما قتل به العباس واستلحم جميع القواد في تلك الأيام وسموا العباس اللعين ولما وصل إلى سامرا جلس أولاد المأمون في داره حتى ماتوا.

.انتقاض مازيار وقتله.

كان مازيار بن قارن بن وندا هرمز صاحب طبرستان وكان منافرا لعبد الله بن طاهر فلا يحمل إليه الخراج وقال: لا أحمله إلا للمعتصم فيبعث المعتصم من يقبضه من أصحابه ويدفعه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان وعظمت الفتنة بين مازيار وعبد الله وعظمت سعاية عبد الله في مازيار عند المعتصم حتى استوحش منه ولما ظفر الأفشين ببابك وعظم محله عند المعتصم وطمع في ولاية خراسان ظن أن انتقاض مازيار وسيلة لذلك فجعل يستميل مازيار ويحرضه على عداوة ابن طاهر وإن أدت إلى الخلاف لبيعته المعتصم لحربه فيكون ذلك وسيلة له إلى استيلائه على خراسان ظنا بأن ابن طاهر لا ينهض لمحاربته فانتفض مازيار وحمل الناس على بيعته كرها وأخذ رهائنهم وعجل جباية الخراج فأستكثر منه وخرب سور آمد وسور سابة وفتل أهلها إلى جبل يعرف بهرمازا باروني وسرخاشان سور طمس منها إلى البحر على ثلاثة أميال وهي على حد جرجان وكانت تبنيه سدا بين الترك وطبرستان وجعل عليه خندقا ومن أهل جرجان إلى نيسابور وأنفذ عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسين في جيش كثيف لحفظ جرجان فعسكر على الخندق ثم بعث مولاه حيان جبلة إلى قومس فعسكر على جبال شروين وبعث المعتصم من بغداد محمد بن إبراهيم بن مصعب وبعث منصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الري وبعث أبا الساج إلى دنباوند وأحاطت العساكر بحياله من كل ناحية وداخل أصحاب الحسن بن الحسين أصحاب سرخاشان في تسليم سورهم وليس بينهما إلا عرض الخندق فكلموه وسار الآخرون إليه على حين غفلة من القائدين وركب الحسن بن الحسين وقد ملك أصحابه السور ودخلوا منه فهرب سرخاشان وقبضوا على أخيه شهريار فقتل ثم قبض على سرخاشان على خمسة فراسخ من معسكره وجيء به إلى الحسن بن الحسين فقتله أيضا ثم وقعت بين حيان بن جبلة وبين فارق بن شهريار وهو ابن أخي مازيار ومن قواده مداخلة استمالت حيان فأجاب أن يسلم مدينة سارية إلى حد جرجان على أن يملكوه جبال آبائه وبعث حيان إلى ابن طاهر فسجل لقارن بما سأل وكان قارن في جملة عبد الله بن قارن أخي مازيار ومن قواده فأحضر جميعهم لطعامه وقبض عليهم وبعث بهم إلى حيان فدخل جبال قارن في جموعه واعتصم لذلك مازيار وأشار عليه أخوه القوهيار أن يخلي سبيل من عنده من أصحاب ينزلون من الجبل إلى مواطنهم لئلا يؤتى من قبلهم فصرف صاحب شرطته وخراجه وكاتبه حميدة فلحقوا بالسهل ووثب أهل سارية بعامله عليهم مهرستان بن شهرين فهرب ودخل حيان سارية ثم بعث قوهيار أخو مازيار محمد بن موسى بن حفص عامل طبرستان وكانوا قد حبسوه عند انتقاضهم فبعثه إلى حيان ليأخذ له الأمان وولاية جبال آبائه على أن يسلم إليه مازيار وعذل قوهيار بعض أصحابه في عدو له بالأستئمان عن الحسن إلى حيان فرجع إليهم وكتبوا إلى الحسن يستدعونه قوهيار من أخيه مازيار فركب من معسكره بطمس وجاء لموعدهم ولقي حيان على فرسخ فرده إلى جبال شروين التي افتتحها ووبخه على غيبته عنها فرجع إلى سارية وتوفي وبعث عبد الله مكانه بن الحسين بن مصعب وعهد إليه أن لا يمنع قارن ما يريده ولما وصل الحسن إلى خرماباذ وسط جبال مازيار لقيه هنالك واستوثق كل منهما من صاحبه وكاتب محمد بن إبراهيم ابن مصعب من قواده المعتصم قوهيار بمثل ذلك فركب قاصدا إليه وبلغ الحسن خبره فركب في العسكر وحازم يسابق محمد بن إبراهيم إلى قوهيار فسبقه ولقي قوهيار وقد جاء بأخيه مازيار فقبض عليه وبعثه مع إثنين من قواده إلى خرماباذ ومنها إلى مدينة سارية ثم ركب واستقبل محمد بن إبراهيم بن مصعب وقال: أين تريد؟ فقال: إلى المازيار فقال هو بسارية ثم حبس الحسن أخوي المازيار ورجع إلى مدينة سارية فقيد المازيار بالقيد الذي قيد به محمد بن محمد بن موسى بن حفص وجاء كتاب عبد الله بن طاهر بأن يدفع المازيار وأخويه وأهل بيته إلى محمد بن إبراهيم يحملهم إلى المعتصم وسأل الحسن المازيار عن أمواله فذكر أنها عند قوم من وجوه سارية سماهم وأمر الحسن القوهيار بحمل هذه الأموال وسار إلى الجبل ليحملها فوثب به مماليك المازيار من الديلم وكانوا ألفا ومائتين فقتلوه بثأر أخيه وهربوا إلى الديلم فاعترضهم جيوش محمد بن إبراهيم وأخذوهم فبعث بهم إلى مدينة سارية وقيل إن الذي غدر بالمازيار ابن عم له كان يتوارث جبال طبرستان والمازيار يتوارث سهلها وكانت جبال طبرستان ثلاثة أجبل فلما انتقض واحتاج إلى الرجال دعا ابن عمه من السهل وولاه على أصعبها وظن أنه قد توثق به فكاتب هو الحسن وأطلعه على مكاتبة الأفشين لمازيار وداخله في الفتك على أن يوليه ما كان لآبائه وأن المازيار لما ولاه الحسن بن سهل طبرستان انتزع الجبل من يده فأفضى له الحسن كتاب ابن طاهر وتوثق له فيه وأوعده ليوم معلوم ركب فيه الحسن إلى الجبل فأدخله ابن عم مازيار وحاصروه حتى نزل على حكمه ويقال أخذه أسيرا في الصيد ومضى الحسن به ولم يشعر صاحب الجبل الآخر وأقام في قتاله لمن كان بازائه فلم يشعر إلا والعساكر من ورائه فانهزم ومضى إلى بلاد الديلم فأتبعوه وقتلوه ولما صار المازيار في يده طلبت منه كتب الأفشين فأحضرها وأمر ابن طاهر أن يبعث بها معه إلى المعتصم فلما وصل إلى المعتصم ضربه حتى مات وصلبه إلى جانب بابك وذلك سنة أربع وعشرين.